الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
يعني هَرْمَي؛ قال آخر: أي قديمًا؛ وقال آخر: أي قديم.و{لاَّ فَارِضٌ} رفع على الصفة لبقرة.{وَلاَ بِكْرٌ} عطف.وقيل: {لاَّ فَارِضٌ} خبر مبتدأ مضمر؛ أي لا هي فارض وكذا {لا ذلول}، وكذلك {لاَ تَسْقِي الْحَرْثَ} وكذلك {مُسَلَّمَةٌ} فاعلمه.وقيل: الفارض التي قد ولدت بطونًا كثيرة فيتّسع جَوْفها لذلك؛ لأن معنى الفارض في اللغة الواسع؛ قاله بعض المتأخرين.والبِكر: الصغيرة التي لم تحمل.وحكى القُتَبِيّ أنها التي ولدت.والبكر: الأوّل من الأولاد؛ قال: والبِكْرُ أيضًا في إناث البهائم وبني آدم: ما لم يَفْتَحِلْه الفحل؛ وهي مكسورة الباء.وبفتحها الفَتِيّ من الإبل.والعَوَان: النَّصَف التي قد ولدت بطنًا أو بطنين؛ وهي أقوى ما تكون من البقر وأحسنه، بخلاف الخيل؛ قال الشاعر يصف فرسًا: فرس أَخْصَف: إذا ارتفع البَلَق من بطنه إلى جنبه.وقال مجاهد: العَوَان من البقر هي التي قد ولدت مَرّة بعد مَرّة.وحكاه أهل اللغة.ويقال: إن العَوَان النّخلةُ الطويلة؛ وهي فيما زعموا لغة يمانية.وحَرْبٌ عَوَانٌ: إذا كان قبلها حَرْب بِكرٌ؛ قال زُهير: أي لا هي صغيرة ولا هي مُسِنّة؛ أي هو عَوان، وجمعها عُوْنٌ بضم العين وسكون الواو؛ وسُمع عُوُن بضم الواو كرُسُل. وقد تقدم.وحكى الفَرّاء من العوان عَونَت تَعْوينًا. اهـ.
أو حالًا كقول الشاعر وهومن شواهد النحو: أو مضافًا كقول النابغة: أو خبر مبتدأ كما وقع في حديث أم زرع قول الأولى: لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل على رواية الرفع أي هو أي الزوج لا سهل ولا سمين.وجمهور النحاة أن لا هذه يجب تكريرها في الخبر والنعت والحال أي بأن يكون الخبر ونحوه شيئين فأكثر فإن لم يكن كذلك لم يجز إدخال لا في الخبر ونحوه وجعلوا بيت جويرية أو حويرثة ضرورة وخالف فيه المبرد.وليست لا في مثل هذا بعاملة عمل ليس ولا عمل إن، وذكر النحاة لهذا الاستعمال في أحد هذين البابين لمجرد المناسبة.واعلم أن نفي وصفين بحرف لا قد يستعمل في إفادة إثبات وصف ثالث هو وسط بين حالي ذينك الوصفين مثل ما في هذه الآية بدليل قوله: {عوان بين ذلك} ومثل قوله تعالى: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} [النساء: 143] وقد يستعمل في إرادة مجرد نفي ذينك الوصفين لأنهما مما يطلب في الغرض الواردين فيه ولا يقصد إثبات وصف آخر وسط بينهما وهو الغالب كقوله تعالى: {في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم} [الواقعة: 42 44].والفارض المسنة لأنها فرضت سنها أي قطعتها، والفرض القطع ويقال للقديم فارض.والبكر الفتية مشتقة من البكرة بالضم وهي أول النهار لأن البكر في أول السنوات عمرها والعوان هي المتوسطة السن.وإنما اختيرت لهم العوان لأنها أنفس وأقوى ولذلك جعلت العوان مثلًا للشدة في قول النابغة: أي مصيبة عوان أي عظيمة.ووصفوا الحرب الشديدة فقالوا: حرب عوان.وقوله: {بين ذلك} أي بين هذين السنين، فالإشارة للمذكور المتعدد.ولهذا صحت إضافة بين لاسم الإشارة كما تضاف للضمير الدال على متعدد وإن كان كلمة واحدة في نحو بينها.وإفراد اسم الإشارة على التأويل بالمذكور كما تقدم قريبًا عند قوله تعالى: {ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله} [البقرة: 61].وجاء في جوابهم بهذا الإطناب دون أن يقول من أول الجواب إنها عوان تعريضًا بغباوتهم واحتياجهم إلى تكثير التوصيف حتى لا يترك لهم مجالًا لإعادة السؤال.فإن قلت: هم سألوا عن صفة غيرمعينة فمن أين علم موسى أنهم سألوا عن السن؟ ومن أين علم من سؤالهم الآتي ب {ما هي} أيضًا أنهم سألوا عن تدربها على الخدمة؟قلت: يحتمل أن يكون {ما هي} اختصارًا لسؤالهم المشتمل على البيان وهذا الاختصار من إبداع القرآن اكتفاء بما يدل عليه الجواب، ويحتمل أن يكون ما حكى في القرآن مرادف سؤالهم فيكون جواب موسى عليه السلام بذلك لعلمه بأن أول ما تتعلق به أغراض الناس في معرفة أحوال الدواب هو السن فهو أهم صفات الدابة ولما سألوه عن اللون ثم سألوا السؤال الثاني المبهم علم أنه لم يبق من الصفات التي تختلف فيها مقاصد الناس من الدواب غير حالة الكرامة أي عدم الخدمة لأن ذلك أمر ضعيف إذ قد تخدم الدابة النفيسة ثم يكرمها من يكتسبها بعد ذلك فتزول آثار الخدمة وشعثها. اهـ.
أي فقد حصل ما تعللتم به من طول السفر.والمعنى فبادروا إلى ما أمرتم به وهو ذبح البقرة، وما موصولة والعائد محذوف بعد حذف جاره على طريقة التوسع لأنهم يقولون أمرتك الخير، فتوسلوا بحذف الجار إلى حذف الضمير.وفي حث موسى إياهم على المبادرة بذبح البقرة بعدما كلفوا به من اختيارها عوانًا دليل على أنهم مأمورون بذبح بقرة مّا غير مراد منها صفة مقيدة لأنه لما أمرهم بالمبادرة بالذبح حينئذ علمنا وعلموا أن ما كلفوا به بعد ذلك من طلب أن تكون صفراء فاقعة وأن تكون سالمة من آثار الخدمة ليس مما أراده الله تعالى عند تكليفهم أول الأمر وهو الحق، إذ كيف تكون تلك الأوصاف مرادة مع أنها أوصاف طردية لا أثر لها في حكمة الأمر بالذبح لأنه سواء كان أمرًا بذبحها للصدقة أو للقربان أو للرش على النجس أو للقسامة فليس لشيء من هاته الصفات مناسبة للحكم، وبذلك يعلم أن أمرهم بهاته الصفات كلها هو تشريع طارئ قصد منه تأديبهم على سؤالهم فإن كان سؤالهم للمطل والتنصل فطلب تلك الصفات المشقة عليهم تأديب على سوء الخلق والتذرع للعصيان، وإن كان سؤالًا ناشئًا عن ظنهم أن الاهتمام بهاته البقرة يقتضي أن يراد منها صفات نادرة كما هو ظاهر قولهم بعد: {وإنا إن شاء الله لمهتدون} [البقرة: 70] فتكليفهم بهاته الصفات العسير وجودها مجتمعة تأديب علمي على سوء فهمهم في التشريع كما يؤدَّب طالب العلم إذا سأل سؤالًا لايليق برتبته في العلم.وقد قال عمر لأبي عبيدة في واقعة الفرار من الطاعون لو غيرك قالها يا أبا عبيدة.ومن ضروب التأديب الحمل على عمل شاق، وقد أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه عباسًا رضي الله عنه على الحرص حين حمل من خمس مال المغنم أكثر من حاجته فلم يستطع أن يقله فقال له: مر أحدًا رفعه لي فقال: لا آمر أحدًا فقال له: ارفعه أنت لي فقال: لا، حتى جعل العباس يحثو من المال ويرجعه لصبرته إلى أن استطاع أن يحمل ما بقي فذهب والنبيء صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره تعجبًا من حرصه كما في (صحيح البخاري).ومما يدل على أنه تكليف لقصد التأديب أن الآية سيقت مساق الذم لهم، وعدت القصة في عداد قصص مساويهم وسوءِ تلقيهم للشريعة بأصناف من التقصير عملًا وشكرًا وفهمًا بدليل قوله تعالى آخر الآيات: {وما كادوا يفعلون} [البقرة: 71] مع ما روي عن ابن عباس أنه قال: لو ذبحوا أي بقرة أجزأتهم ولكن شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم.وبهذا تعلمون أن ليس في الآية دليل على تأخير البيان عن وقت الخطاب ولا على وقوع النسخ قبل التمكن لأن ما طرأ تكليف خاص للإعنات، على أن الزيادة على النص ليست بنسخ عند المحققين، وتسميتها بالنسخ اصطلاح القدماء. اهـ.
|